سيرة حياة برو الشرقي(1)
للتاريخ صُنّاعه وأبطاله.. سطروا صفحاته ذهباً وجعلوا لأنفسهم مكاناً لائقاً ما بين تلك الصفحات، والتاريخ الكوردي بشكله العام وتراثه الرصين متأثر بملاحم بطولية سواءَ كان في العشق ما بين المحبوبيّن او عشق الوطن والجبال او المآثر القتالية عبر مختلف الأزمنة ومنها تلك التي كانت تسودها القبلية والغزوات العشائرية.
والمجتمع الأيزدي جزءٌ مهم وأساسي من النسيج الكوردي، جُلَّ تاريخه وتعاليمه الدينية وتراثه تم الحفاظ عليه عبر وسيلة الحفظ وتداول ما أمكن الاحتفاظ عليه عبر أجياله المتلاحقة.
في موضوعنا هذا سنتحدث و نسرد سيرة انسان.. فنان.. شاعر.. راوي الأحداث.. حكاية مهاجر،،، كل هذه تنطبق على شخصية برو الشرقي bro sherqi.
الولادة ونشأته وعائلته:
ولادة برو الشرقي(2) كانت في قرية ئيشخان(3) حوالي سنة 1880م، وهي قرية تابعة لمنطقة ويران شار التركية.. من عائلة حَجيا القوبانية والتي يعود نسبها الى قبيلة شرقيان الأيزدية.
كان لـ برو شقيقاً أكبر منه سنّاً أسمه قَوال، توفي قبل ان يتزوج.. برو ابن ابراهيم ابن كوسا ابن سلو ابن حجي.. والدته عيشى بنت علو.
في ذلك الوقت أهل قريتي ئيشخان الكبيرة وئيشخان الصغيرة كانوا من عشيرة الشرقيان وتحاذيهم منطقة هليليى وكان ساكنوها أفراد عشيرة الدنا.. العشيرتيّن كانتا متحالفتيّن في كل شيء و يد واحدة فيما كان يواجههم من أخطار أو مشاكل وما شابه ولا يكاد أحد أن يستطيع معرفة الفرق بينهما ولا زال هناك نوعاً من التآلف والقربى بينهما حتى الآن رغم تغيّر الظروف والأزمنة.. والعشيرتيّن كانتا منضويتان تحت لواء عشائر الملّيين بقيادة ابراهيم باشا الملّي ذو حظوة السلطة العثمانية والقريب من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني نفسه وقتذاك، وبسبب ذلك فأننا نستطيع القول أن برو الشرقي كبر وترعرع وسط أجواء البطولة والتحالفات القبلية وغزواتهم وهذا ما أثر على مؤلفاته وطريقة فنه، وأعطته حافزاً إضافياً في بلورة ذهنيته وحسه الفني.
البيئة التي عاش فيها:
إذاً.. كبر برو الشرقي وسط أجواء الغزوات العشائرية والقبلية المتواصلة والتي كانت تدور في منطقة ويران شار والمناطق المحيطة بها.. امتلك من الذكاء لا بأس به للاستفادة مما كان يحدث حوله من وقائع وأحداث لتقليم شعره ونصوصه القصصية المغناة. ومن ذلك حدث معه إلهامٌ فنيّ واسع وأصبح شاعراً وفناناً منذ نعومة أظافره.. كما أن هناك رأي آخر يقول (أن الفن والشعر وما كان يحدث معه من مواهب في التأليف القصصي الارتجالي كانت هبة ربانية أهديت ل برو الشرقي في احد الأيام).
طريقة وأسلوب فن برو الشرقي في سرد الأحداث والبطولات والتعبير العاطفي عبر مواويله وشعره كانت مغايرة لغيره ممَّن عاصروه أو ظهروا بعده، فَلم تكن سياسية المنشأ أو التعبير أو عاطفية فَحسب.. بل كانت سرد او تخليد لتاريخ أهالي وعشائر مناطق ويران شار وما مرَّ بهم من مآثر وأحداث لتكون أحاديثه ومواويله ملفات مؤرشفة يسردها الفنانين والمختصين بالتراث وتاريخ العشائر حتى يومنا هذا.
مرحلة الزواج:
كان برو الشرقي في سنّ الخامسة والعشرون عندما تزوج لأول مرة، وبعدها تزوج مرتيّن.. مع الإشارة الى نساءه الثلاث كنَّ من معارفه وأقربائه.
امرأته الأولى واسمها عمشى amshy، توفيت من غير أن تترك ل برو ذرية أولاد أو بنات(سنأتي الى ذكرها لاحقاً في احد محاور الموضوع).. أما الأخرى، فاسمها قودى qudy وتركت ورائها ابنة سميت بـ ( حَنى).. أما زوجته الصغرى والأخيرة، فقد كانت صبرى sebry ابنة قاسم من عائلة أوسو(4)، رزقت بولدين وبنت (سارى، عفدو، قاسم)، حيث سارى هي أكبر أولادها.
تزوجت حنى(hinny) من احد أفراد قرية تليليا بمنطقة عامودا في سوريا، و رزقت بذكور وبنات.. منهم من هاجر الى ألمانيا والآخرين باقون حتى الآن في سوريا.. توفيت حَنى سنة 2005 بمنطقة عامودا.
عفدو(avdo) هو اكبر أولاد برو الشرقي من الذكور.. أولاده وأحفاده يسكنون في مجمع تل قصب(5) حالياً والذي يتبع قضاء سنجار.. وأبنه الثاني(قاسم)، فقد توفي في ريعان شبابه وقبل أن يتزوج.
أما ابنته(6) سارى (sary).. اكبر من شقيقيّها عفدو وقاسم، توفيت سنة 1994م في مجمع خانةسور التابع لناحية الشمال بقضاء سنجار.
عدد المواويل أو الأغاني التي ألفها وألقاها برو الشرقي طيلة حياته؟
من الصعب التكهن وبشكل دقيق في هذه المسألة لكن ما يُقال هو أنه أغلب (إن لم يكن جميعها) الأغاني والمواويل الفلكلورية الكوردية الأصيلة وبشكل خاص التراث الشنكالي(السنجاري) منها كانت من تأليف برو الشرقي ومن إلقائه أيضا، وبعضها الآخر نقله برو غنائيا عن غيره من أقرانه الشعراء وفناني الفلكلور والتراث او من سبقوه في ذلك النوع من الفن.. ومنها(7): موال بةسا خليل (strana bessa xelil)، موال صبرى(strana sebry) ، موال دوريشى عفدي(strana delil)، موال باشايى مى(strana pashayi mi)، موال عةليى بسمام(strana alyi pismam)، واويسكا بابى قةشةمى(strana wawiska babi qeshemy)، موال زينب(strana zeineby)، نواخا براهيم باشا(
strana newaxa(newakha)ebrahim pasha، موال عائلة قتو الرشكوتي ونيصر السينكي(strana sherry mala qito u nisr)، حةمى وكنعى(strana hemmy u kinai)، فليتى قتو(strana felity qito)، موال عدولى وكنج خليل(strana kinj xelil u aduly)، موال غزالة بييل مةزى ابنة الأمير البالوي(strana xezale beel mezi qiza miri paloyi )، عةمى كوزى(strana ammy kozi)، غزالة جبل سنجار(strana xezala ciyayi shingali)، شريف بك وعدولى(strana sheriff bik u aduli)، وغيرها من المآثر القصصية الغنائية الكثيرة، إلا أنني اكتفيت بما ذكرتها آنفا فقط للإشارة والذكر.
لكن يجدر بنا الذكر في أن بعض أغاني والمواويل القصصية التي ألقاها او غناها برو الشرقي لم تكن من تأليفه (ملحمة دوريش عفدي الشرقي مثالاً.. حيث يُقال أن عدلى باشا المللي أرثت حبيبها دوريش الشرقي عندما قتل في إحدى المعارك القبلية، حتى أصبحت مرثيتها تلك فيما بعد على لسان برو الشرقي وألقاها لتكون مثالاً للتعبير عن العشق والبطولة حتى أيامنا هذه).
تنوعت أغاني أو مواويل برو الشرقي الشعرية ما بين العاطفة والحماسية، لكن الأغاني الحماسية غلبت على ثروته التراثية الغنائية نظراً للبيئة القبلية التي عاش فيها والتناحرات العشائرية المختلفة في موطنه بتركيا قبل قيام الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك.
العشق في حياة برو الشرقي:
في بدايات شبابه.. أحب برو الشرقي فتاة من عشيرته اسمها (عمشى) والتي كانت مخطوبة لقريبٍ لها، وهذا ما جعله يشعر بالبؤس والشقاء نظراً لاستحالة نجاح هكذا علاقة بسبب الأعراف السائدة في المجتمعات العشائرية وخاصة عندما تكون الفتاة وخطيبها وحبيبها من عشيرة واحدة وأقرباء لبعضهما البعض.. وما زاد في شقاءه أن الفتاة بادلته ذات الشعور بالحب(9).
لم يتحمل برو ذلك الحب الصامت بينهما وتحدى كل الأعراف العشائرية وقام بخطف حبيبته عمشى وتزوجها، حتى وقع عائلته (عائلة حجيا) في مشكلة كبيرة بسبب ذلك، واضطر أقرباؤه الى دفع الفدية وتعرضوا لنوع من الإهانة والفقر بسبب خسارتهم لكل ما يملكونه.. بل وصل الأمر إلى أن ابراهيم باشا المللي وضع برو في السجن ووضعوا أيديه ورجليه في القيد.
في أحد الأيام.. دعا ابراهيم المللي بعض أكابر وأغوات منطقته والمناطق المجاورة الى مضيفه، استقبلهم أفضل استقبال للضيوف وذبح لهم الذبائح.. وعندما تم تحضير الأكل في وقت الغداء، تفاجئ المللي بامتناع ضيوفه عن المباشرة بالأكل إلا بعد تنفيذ شرطهم ألا وهو اطلاق سراح برو من حبسه لينال حريته (لأنهم كانوا على دراية بأن برو الشرقي مقيد بالسلاسل في الحبس).. فما كان من الباشا المللي إلا أن ينفذ طلبهم نزولاً عند رغبتهم وإتمام كرمه لهم، فأطلق سراح برو الشرقي.
هذه الحادثة أو الواقعة تبين بما لا شك فيه أن برو الشرقي كان يحظى بمكانة مميزة لدى معظم عشائر تلك المناطق وأغواتهم وكانوا خير عون له في المحن خاصة وأن تلك الحقبة وكما أسلفنا امتازت بالقبلية والعشائرية ومشاكلها العديدة، كما أنها تبين الجانب العاطفي من حياة برو الشرقي وكيف أنه تحدى الصعاب والأعراف العشائرية المتشددة ليتزوج بِمَن أحبها إلا أن ما يؤسف له في تلك المرحلة من حياته أن حبيبته عمشى توفيت من دون أن تنجب له أطفالاً وهما في بداية زواجهما.
__________________________________________________
الهوامش:
(1) تم الاعتماد على رواية السيد الياس بوبو كشو من أهالي خانةسور في ناحية سنونى التابعة لقضاء سنجار.. و هو حفيد برو الشرقي من ابنته سارى.
(2) الشرقي: نسبة الى قبيلة الشرقيان الأيزدية، وهي قبيلة لها صيتها الواسع في المجتمع الأيزدي والكوردستاني بشكل عام، تتكون من أربعة عشائر(قوَثاناqupana، مةرواناmerwana، ئادياadya، بلطاbillka) وعائلة عفدي أغا من نسب(تورنا) التي ترأست و قادت الشرقيان في ماضيهم وما زالت تترأسها حتى الآن.. يتوزع أفراد قبيلة الشرقيان ما بين سوريا والعراق وتركيا مع الإشارة الى أن عددهم قلَّ كثيراً في تركيا لأسباب ذكرناها في مضمون الموضوع أعلاه.. ظهر فيها أشخاص أشداء كان لهم باعٌ طويل في الفروسية والبطولة كما كان لبعضهم قصص في الحب والعشق، ومنهم (أيوب محمود الشرقي، دوريش عفدي الذي اشتهر برواية عشقه المتبادل مع عدلى باشا المللي في ملحمة دوريش عفدي، تمر عفدي، برو الشرقي).
(3) كما يُقال هناك قريتين باسم ئيشخان في منطقة ويران شار بتركيا وهما (ئيشخان الكبرى وئيشخان الصغرى).. وكلمة جوك=كجك أو بجوك وهي بلهجة كوردية -كورمانجية تأتي بمعنى صغير باللغة العربية.
(4) أفراد عائلة أوسو يقطنون الآن منطقة سولاخ في جبل سنجار ويعرفون الآن بالفقراء(الفقراء: شريحة ذات مكانة دينية في المجتمع الأيزدي) وهم يشكلون فرعاً أساسياً من عشيرة الفقراء.
(5) تل قصب: قرية من قرى منطقة سنجار التي شملت بقرار حكومة سنة 1975 بتجميع سكان القرى الأيزدية وإسكانهم في مجمعات قسرية حينها، تقع في الجزء الجنوبي من جبل سنجار وأغلب أفراد سكانها من الكورد الأيزديين.
(6) تزوجت سارى(البنت الكبرى لـ برو الشرقي) من بوبو كشو وهو الآخر من أقرباء برو الشرقي ومن نسب واحد في قبيلة الشرقيان، ورزقا بثلاثة أبناء هم: الياس، بدو( يسكنان مجمع خانةسور التابع لناحية سنونى شمال جبل سنجار)، كشوkejo ( يعيش في ألمانيا الآن).
(7) معلومات من فنانيّ الفلكلور السنجاري الياس نذير دنايي، تحسين خدر فقير.
(
نواخا ابراهيم باشا: معركة قبلية حدثت بين قبيلة شمر العربية والقبائل والعشائر العربية الأخرى التي ساندتها من جهة.. والطرف الآخر كانت قبيلة الملليين الكوردية والتي كانت تضم في تحالفها عشائر وقبائل كوردية عديدة بالإضافة الى بعض العشائر غير الكوردية ومن مختلف الديانات الأيزدية والمسلمة ومنها قبيلتي (دنان ، الشرقيان) ومن أبطال تلك المعركة القبلية (حسين قنجو الدنايي وأيوب محمود الشرقي)، والمعروف أن في هذه المعركة العظيمة والتي شارك فيها شخصية موضوعنا (برو الشرقي) شخصياً.. كانت فيها الغلبة والنصر لتحالف الملّيين((كانوا يقولون عن حلف الملّيين من قبيل المبالغة هةزار مللت = ألف مُلّة.. لذا سمي بتسمية الملّيين و من عشائرها ( شرقيان، دنان، خالدان، دوملليان، باشات، محليان، كم نقشان، حيدرا، ناصريان، كوران، خضركان، سيدان، جـبران، دودكان، زركان، متينان، صوركان ))،،، راجع كتاب دوريشى عفدي و عدول مللي جمع و اعداد :الدكتور/ حسين امين.
(9) في إحدى مناسبات الزواج بمنطقتهم حيث كان برو الشرقي متواجداً في الديلان (مصطلح كوردي يطلق على تسمية الدبكة).. تقابلت نظرات عينيه مع عين حبيبته (عمشى)، فصاحها منادياً: أيتها الفتاة.. إن تزوجتِ غيري وحتى لو ولدتِّ سبع بطون.. فَلن تكونين لغير حبيبك، وهكذا وبذات الليلة من تلك المناسبة قام برو بخطف حبيبته وتزوجا.
ـ يتبع الجزء الثاني والأخيرـ
مصطو الياس الدنايي/ سنونى