مخرج الفني ناظم شنكالي
عدد المساهمات : 5 15 تاريخ التسجيل : 18/08/2011
| موضوع: علاقة حمو شرو اليزيدي بالمسيحيين المضطهدين الجمعة أغسطس 19, 2011 7:33 pm | |
| علاقة حمو شرو اليزيدي بالمسيحيين المضطهدين اعداد: الراهب فائز حنا خضر
هذه إحدى القصص الحقيقية التي تحمل أخبار ووقائع تاريخية لا يتقبلها العقل. هذه المذكرات تحمل أخبار الضيقات والآلام والمآسي المريرة القاسية، والسبي والاضطهاد والخراب في حرب الابادة التي أثيرت ظلماً وعدواناً على المسيحيين عام 1915.
هروب المسيحيين من الاضطهاد الى جبل سنجار لما رأى المسيحيون في ماردين وضواحيها، مهما أبدوا من طاعة وخضوع وعبودية للحكومة العثمانية ولشعبها، يستحيل عليهم ان يرضوا طغيانها وظلم شعبها. بل يستحيل عليهم أكثر ان يزرعوا في قلوبهم رحمة وإحسانا وعطفا عليهم. ولهذا قرروا انه من الافضل لهم ان يتركو بيوتهم ويهجروا أرضهم ويتشتتوا في أرجاء المعمورة. ولم يجدوا في البداية أي مكان أمين ليتخذوه ملجا، إلا جبل سنجار في حمى الشعب اليزيدي. وفي ربيع عام 1915 تناقلت الانباء ان العثمانيين يضطهدون ويقتلون المسيحيين في بلاد (دوسبان وأرض روم) وينظرون بعيون حاقدة الى المسيحيين في سائر المدن. ومن هناك بدأ كثيرون من الشباب المسيحيين في ماردين وضواحيها يهربون خلسة قاصدين سنجار، خوفا من الهلاك المحتم لخدمة العسكرية والظلم والاضطهاد والموت. وعندما كانوا يبلغون سنجار. كان اليزيديون يستقبلونهم بكل محبة وفرح. وخاصة رئيسهم (حّمو شرو) المشهور بالاحسان والرحمة والمحبة الانسانية. هذا الرجل كان يستقبلهم بكل مودة وعطف. ويخصص لهم مساكن للإقامة والمعيشة ويكمّل كل حاجاتهم الضرورية. ويوفّر لهم أسباب العمل. وكان يعزّيهم ويتألم معهم للأخبار المؤلمة التي كانت تسمع في تلك الأيام. وقد نال محبة واحتراما واكراما عظيما لدى المسيحيين في كل مكان، وذاعت له شهرة عظيمة في العمل الإنساني. ولما جاء شهر تموز سمعوا أخبار القوافل والسوقيات، التي تقود المسيحيين الى القتل والموت في كل مكان. واقتنع هؤلاء اللاجئون الى سنجار ان أهلهم أصابهم الموت والهلاك، وصاروا طعاما لسيوف هؤلاء البرابرة المتوحشين. مرض المسيحيين والوباء الذي حلّ بهم في سنجار في خريف عام 1915، توالت الأحداث والمصائب على هؤلاء المساكين. إذ لم يرتاحوا من ظلم العتاة الطغاة، حلت بهم مصيبة الحمى المميتة التي ألّمت بهم. بسبب الاحزان والآلام التي كانوا يعانون منها وهم يسمعون أخبار أهلهم وذويهم فتنفطرّ قلوبهم أسىً وألماً. ومما زاد في الطين بلة ان رؤساء اليزيديين وبمقدمتهم عاشور رئيس منطقة (ماميلة) انزعج منهم مع أهل سنجار لخوفهم ان يمتد هذا الفساد بل هذا المرض ويعدي المنطقة وأهلها وألزموهم ان يخرجوا من بينهم. وقد أمر عاشور أن يجتمع كل المرضى ويوضعوا في مكان واحد لئلا يصيروا سبباً لهلاك كل أهل سنجار. وإذا مات هؤلاء المرضى والمصابون، يموتون وحدهم. ولجأ المسيحيون الى أصدقائهم من أهل سنجار ولا سيما نصيرهم (حمو شرو) الزعيم الأعلى والعام لمنطقة سنجار الذي دعا عاشور وهدّده قائلاً: انه سيقتله إن أصاب بأذى أحد هؤلاء المسيحيين. ووافق عاشور ورضي ان يبقى المسيحيون في حارة من حارات (ماميصه)، حتى يشفى المرضى من هذه الحمىّ القاسية. وحيث ان المسيحيين لم يتمكنوا من الحصول على الدواء. فقد مات منهم عشرون رجلاً. غضب عاشور وأهل ماميصة وقصدوا ان يخرجوا المسيحيين من القرية. فعاد المسيحيون ولجأوا ثانية الى الزعيم حمو شرو الذي نقلهم وأعطاهم تلة تجاه قريته ليسكنوا فيها. وأذن لهم ان يبنوا بيوتاً من خشب البلوط ويقيموا فيها في الخريف وإذا حلّ الشتاء يعودون الى بلادهم ناصحاً إياهم بقوله: ان بقاءكم قريبين مني هو أفضل كثيراً. ولما حل الشتاء بنوا لهم بيوتاً من اللبن والطين وبنوا بيتاً كبيراً. وكانوا يجتمعون فيه للصلاة مع كاهن كلداني يدعى يوسف. إلا ان هذا الكاهن لم يقم طويلاً. فتركهم وأقام لهم معلّماً يدعى (فرج الله) الذي كان يعلّمهم ويشجّعهم وهكذا رويداً رويداً كثر عدد المسيحيين. فبنوا منزلاً ليعيشوا فيه، كما بنوا بيتاً كبيراً جعلوه مستشفى وجمعوا كل المرضى والمصابين فيه. ورتبوا جمعية خيرية وجمعوا خيرات وصدقات من المسيحيين لمساعدة هؤلاء المرضى. ولما بلغ شهر آذار عام 1916، بدأ كثيرون من المتشردين الأرمن من مناطق الشدادة ودير الزور يأتون الى سفح جبل سنجار من الجهة الجنوبية. ومن جهة ثانية كان بعض المسلمين يأتون بقوافل المسيحيين ويتركونهم هناك ليموتوا من الجوع والعطش في تلك البرية المقفرة. أما اليزيديون الذين كانوا يسمعون هذه الأخبار فكانوا يقصدون أماكن هؤلاء المشردين فيذهبون ويخطفون الأطفال ومن يتمن منهم من المجيء معهم، ويأتون بهم الى سنجار ويسلمونهم الى المسيحيين ليعتنوا بهم. وفي صيف عام 1916، أخذ المسيحيون يشتغلون في كروم اليزيديين وحقولهم بلقمة عيشهم. وغيرهم بعثوا يطلبون من ذويهم وأصدقائهم الناجين من الموت إبر خياطة وعلكة وسكر وبعض سلاسل الفضة والذهب والخواتم والمحابس والأساور وسواها. وكانوا يقدّمونها لأهل المنطقة لقاء حنطة وقمح وعدس وحبوب للمؤونة. وكانوا يتقاسمونها مع أهلهم وأصدقائهم وأفاض الله عليهم خيراته بغزارة. ولما ضرب الجوع والوباء والغلاء سنجار وضواحيها. قصد المسيحيون عشائر طي العربية غير آبهين بالموت ومتحدّين الأخطار.... استقبلهم هؤلاء القوم ذوو الشهامة ومنحوهم كميّات كبيرة من الشعير والذرة والدهن وسائر حاجات القوت والطعام واستقرت حياتهم. حتى ان الرئيس حمو شرو لما رأى أرزاقهم الوفيرة تعجب وبفرح خاطبهم: بالحقيقة أنا فخور بكم أيها المسيحيون، كيف تمكنتم من تأمين غلاّت الحياة. بينما نحن أصحاب الأرض والكروم والحقول نعيش بالفاقة والحاجة، وأولادنا يستقرضون منكم ويستدينون ما يحتاجون إليه. ان لعنة العثمانيين لحقت المسيحيين، فلما سمعوا ان كثيرين من المسيحيين لجأوا الى سنجار ونجوا من الموت. عادت الحكومة وأصدرت أمراً بقتل من نجا من المسيحيين وقصد جبل سنجار، ودفعت جنودها الى جبل سنجار مدجّجين بأنواع الأسلحة ليذهبوا ويحتلوا سنجار والجبل ويقتلو كل المسيحيين هناك. وصلت القوات العثمانية وحلت في جبل سنجار، وفرضوا حصاراً قوياً على المنطقة وأرسل قائد العسكر المدعو (محيي الدين بك) ورئيس المخابرات والتفتيش في جبل سنجار كتاباً الى الزعيم حمو شرو. وهذا نص الكتاب: " أرسل إلينا كل المسيحيين الذين هربوا ولجأوا اليك مع أنواع الأسلحة التي بحوزتك، وإذا لم تخضع للأمر ستحل بك مصائب وآلام مريرة لا تتصورها. وسوف نهدم بيتك وبيوت جميع أهلك وذويك وعشيرتك ". ولما قرأ شرو هذه الرسالة غضب جداً وقال: كيف يسمح لي ضميري لأسلًم هؤلاء المسيحيين الذين لجأوا إليً وأنا أعطيتهم عهداً وأقسمت بشرفي وديني ألاّ أغشّهم ( لاوفيستا) هي يمين معظمة لدي اليزيديين. لن أسلّم واحداً منهم ما دام في عينيّ ماء، أما إذا قُتلت أنا وأولادي فبإمكان الأعداء ان يفعلوا بهم ما يشاءون. وتابع حمو شرو قائلاً: هذا الضابط الذي أرسل يطلب سلاحنا، ما أسخفه وأحقر تفكيره. يطلب سلاحنا لنسلّمه إياه، ونبقى نحن عزّلاً وعرضة لسلاحه وعسكره. قرأ هذه الرسالة ودعا كل زعماء العشائر في جبل سنجار وأعلمهم بأمر الضابط. وأعلن موقفه بالتمرد على أمره وقراره. وكانت آراء زعماء العشائر متفاوتة. فمنهم من قال اننا نخضع لأمر الضابط ومنهم من رفض. وأخيراً أقنعهم حمو شرو بقوله: يجب ان ندافع عن أنفسنا ونرفض أن نسلّم هؤلاء الأبرياء الى سيوف الحكام الظالمين ويكونوا أغناماً وخرافاً للذبح. فخرج رؤساء العشائر والقرى وأخذوا أسلحتهم وتجمعوا في مكان يدعى (شيب القاسم) وهي دائرة مقدسة عندهم. أما حمو شر فاختار بعض الفقراء مرافقيه، وذهبوا ليتجسسوا على القوات العثمانية في منطقة تدعى (كرسه) فرأوا ثلاثة فيالق من القوات حالّة هناك، وينتظرون الفرصة ليهجموا على الجبل ويحتلو المنطقة. ويوم سبت النور ليلة عيد القيامة، تقدمت القوات الحكومية نحو الجبل. وأخذوا يطلقون نيران بندقياتهم وقذائفهم على شيب القاسم حيث يجتمع اليزيديون. فاهتزت الأرض من أصوات المدافع ودب الرعب في قلوب أهالي الجبل. وتقدمت القوات من الجبل وحمو شرو والذين معه كامنون لهم يترصدونهم. ولما دنوا منهم أطلق حمو شرو ورجاله النار عليهم، فقتلوا منهم خمسة عشر رجلاً، ولم يُقتل من اليزيديين إلا رجل واحد هو خلف السنجاري. ذاك الذي ذهب الى القتل ليأخذ أسلحتهم. ولما رأى حمو شرو كثرة عدد القوات المهاجمة وأسلحتم، خاف ان لا يهلكوا في كمينهم. وعاد الى قرية قريبة ودعا المسيحيين قائلاً: أنصحكم ان تخرجوا من بيوتكم وتنتقلو الى الجهة الجنوبية من الجبل حيث لا يوجد خطر هناك. وتحملوا معكم كل ما تستطيعون من المؤونة والثياب والحاجات، لان العدو واقف على الباب ويهدّدنا بقساوة وعنف. حمل المسيحيون ما تمكنوا وانتقلوا الى الجهة الجنوبية ودخلت القوات العثمانية قرية ماميصة، وبدأوا ينهبون البيوت. وهجموا على قرى كثيرة في ذلك اليوم. وعند غروب الشمس بلغوا قرية المسيحيين. وأول بيت دخلوه وجدوا رجلاً شيخاً لم يتمكن من الهرب قتلوه حالاً وسرقوا كل ما في البيت.أما المسيحيون بعد ان تركوا قريتهم، هربوا وهم يتسلقون الهضاب والتلال وهم خائفون يبكون ويولولون. وبعد ان احتل العسكر قرية ماميصة وقرية حمو شرو استسلم اليزيديون للقوات العثمانية وقدّموا لهم الخضوع. وأقام العسكر مسؤولاً على قرية ماميصة ووضعوا في كل قرية مخفراً وعادوا وارتاح أهل الجبل قليلاً. أما العسكر الذين بقوا لحراسة الجبل، ملّوا من الاقامة في ذلك الجبل. وبدأ عددهم ينقص رويداً رويداً. ومن هنا اشتدت عزيمة اليزيديين وانتفضوا لينتقموا من العثمانيين. وهكذا كلما التقوا عسكرياً من هؤلاء كانوا يقتلونه ويصادرون سلاحه. وأخيراً هرب سائر العسكر خوفاً على حياتهم. أما المسيحيون فبعد مدة غادروا المنطقة وذهبوا قاصدين عشيرة طي العربية ودفعوا مالاً لزعيمهم ليحميهم من القتل والموت. وغيرهم هربوا من قرية الى قرية حتى وصلوا نصيبين خائرين جائعين. والذين بقوا في سنجار عادوا الى قريتهم وعاشوا هناك حتى مرّت العاصفة وخفّ الخطر وتوقف الاضطهاد. وهكذا تشتتت من جديد جموع المسيحيين الامنين بسبب فظاعة وشناعة ورذائل قوات بني عثمان. | |
|